الثلاثاء، 25 يناير 2011

مخاوف جدية جداً

كنتُ أفكرُ في الخوف كثيمةٍ للكتابة , أفكرُ بهِ كثيراً لدرجة أنني خفتُ أن أكتب مرةً أخرى . أخاف الكثير من الأشياء في الحياة , أخاف أن أعانق أمي قبل سفري لأنني أشعر أن العناقات تعني رحيلاً مؤبداً , أخافُ من خشخشة الأشجار عند نافذتي في ليالي الشتاء الباردة , أخافُ صفير الريح , والأبواب المواربة .

أخافُ من الماء في حوض البانيو عندما يستدير في دوامةٍ سريعة ليخرج مع مياه الصرف , لأنني أشعرُ بأنّ أصابع قدمي تذوب مع الماء في حركته السريعة وأنني سأسيل مختفيةً دون أن يعرف مصيري أحد ! أخافُ من المرتفعات .. أن أكون أبعد عن الأرض بطابقٍ واحد , وهذا أشد مخاوفي فزعاً .. لأنني لا أستطيع اخفاء احمرار وجهي وتسارع أنفاسي ونبضاتي التي تتسارع راكضةً عبر أعضائي .. أيضاً أخافُ من الموت .. لكنني لا أخاف من المقابر .

كيف يعيش المرء دون أن يملك ما يخافه ؟ دون هذا الهاجس الذي يدفعه للايمان بخوارق الأشياء التي قد تتحقق إن فرّط في خوفه ؟

يخافُ الأطفال من أشياءٍ لا معقولة , من تقويم أسنان أخي الكبير , من صوت الـ عو , ومن أم الخضر والليف !

لماذا لم نعد نخاف من هذه الأشياء ؟ ولماذا اتسعت فكرتنا عن الخوف لتنزلق في أشياءٍ أغرب ؟

في الليالي التي كنتُ أنام فيها في بيت عمتي , كنتُ أخاف من النوم في العتمة , وكانت كبرانا تقول : لا يخاف المرءُ من شيء سوى أعماله السيئة . وكنتُ أفكر طيلة الليل في أعمالي السيئة التي تجعلني أخاف إلى هذا الحد من العتمة . ولم أكن طفلةً شقية تستطيع تعداد أفعالها المؤذية بسهولة , كنتُ أمضي نصف عمري في الصمت , ونصفه الآخر في القراءة . هل كان ما أقرؤه سيئاً إذن؟ وهل كانت هي بيضاء لهذا الحد الذي يجعلها لا تخاف؟ كيف يتحرر المرء من خوفه ببساطة كهذه؟ كم تمنيت أن أسألها الآن بعد أن صارت كبيرة بما يكفي : هل تخافين من شيء ؟

هل صرتِ مثلنا ؟

كيف أكون في لحظةٍ حقل أغانٍ و فراشات , وفي أخرى بحيرة داكنة لا تتلو فيها البجع رقصة ولا يسكبُ فيها الغيمُ سُكّرَه ؟

كيف يشكّل الخوف وجهي بيدين ناعمتين , كيف يقبض أنفاسي بليونة , كيف يجعلني أفكّر في موتي فزعاً .. وكيف لا يتركني أموت ببساطة .

أنا خائفة من امتحاناتي , وخائفة من تخرجي , وخائفة من مستقبلي , وخائفة من الحب , وخائفة من الوحدة , وخائفة من ألاّ أكون بحجم توقعات الآخرين عني .

مازلتُ أخافُ من العتمة أيضاً .

أناْ خائفة , من الأعوام .. تديرُ أفلاكها ضدي في مداراتٍ حزينة , أخافُ أن أنتظر .. ولا يجيء انتظاري بما أشتهي .

" ستكفّ عن الخوف إذا كففتَ عن الأمل " * وأظن أنني أملكُ أملاً كبيراً جداً كي تجتمع فيّ المخاوف هذي كلها !

*مثلٌ ورد في أحد الكتب التي قرأتها – وبعد |غيوم ميسّو .