السبت، 4 ديسمبر 2010

موسم الكتابة إلى لا أحد

تركتُ الكتابةَ منذ وقت , أو تركتني هيَ لأني لا أليقُ بالكلام الجميل .

في الصباح تعبرني الحروف , وأصير نهراً أتدفق بكل الكلمات التي لا يتخيلها أيّ شاعر , وأنا أغسل وجهي تركض الأغنيات في أذني كطفلة مشاغبة , تركلُ نعاسي بصحوٍ لذيذ .. لكنني دوماً لا أريد أن أفيقَ على الكتابة .

كلما أمعنتُ في تجفيف أصابعي كأوراق حناء تنتظر أن يعجنها أحد , تتحفز حواسي الأخرى بمبالغةٍ سينمائية مضحكة . أسمع كهرّة حفيف الأشجار على نافذتي , نقر العصافير الصغيرة , شاحنة القمامة الصباحية , ثرثرة العجائز , الشفاه التي ترتشف الشاي ببطء , مواء القطط الخمسة التي تتكوم عند باب منزلنا , ارتطام كرةٍ بالجدار , تقاطر الماء من شجرة اللوز المغسولة عصراً , أستطيع أن أسمع وأن أتخيل أحاديثاً وهمية .. لماذا لا أكفّ عن كتابة ذلك في مخيلتي لا أدري .

أرى بعينيّ كل التفاصيل الصغيرة التي لا ينتبه لها أحد , الطفلة التي تمضغ عباءة أمها , الصبية التي تتسارع أنفاسها لرسالة قصيرة في هاتفها المحمول , الدمعة العالقة بعيني طفل يشتهي الحلوى, زر قميصه المفقود , الحقيبة الوردية التي تخفيها صاحبتها تحت ردفها , أستطيع أن أرى الحب يتجلى ملاكاً سماوياً بين خطيبين شابين .. لكني لا أراني .

هل تتخيل حياتك قصة قصيرة ؟ هل يفعل الناس مثلي دوماً ؟ تسرقهم الأصوات من الصحو ليغرقوا في دائرة الحكايا ؟ صوت الخلخال الذي يرتج على ساقي اليُمنى , مشهد انحنائي على قدمي , تساقط خصلات شعري فجأة على وجهي . هل يتخيل الناس دوماً حياتهم كمشهد ما في حكايةٍ طويلة ؟ لا أحد ربما . هذا الهراء يأخذني لجنونٍ محتمل جداً.

بعض الكتابة تعيدني للعالم . هذا ما أجده في الكتابة .. أريد أن أحكي .. لكنني عندما أبدأ الحكاية .. صدقوني , لا أعرف كيف أخبركم بنهايتها الآن .

هناك تعليقان (2):

  1. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  2. من خلال الكتابة بإمكان الذات أن تجد نفسها ،، أرى بذوراً من ( الآلاء ) في هذا النص ،، الذات تتجلى من خلال الكتابة ،، جميل أن تنساب الحكاية وتدفّق بلا حد ولا نهاية .
    تزرعين هنا كلماتٍ يانعة ،، بوركت

    ردحذف