الاثنين، 14 أكتوبر 2013

انتحار برقة ! - قصة قصيرة


اخترتُ الحبلَ لأشنقَ نفسي، لشعوري بأنها الطريقة الأجمل والأشد بدائيةً للانتحار
لم يكن تناول الحبوب خياراً، لأن الزبدَ الذي سيسيل من فمي كان سيشوه المشهد الذي تخيلته دائماً, بينما يرعبني أن أشرط رسغي بالسكين, سأصابُ بالهستيريا من منظر الدم ! لطالما كانت المشنقة طريقةً بطولية للموت، شيئاً يستحق المشاهدة، والتأمل والانتظار
أفكرُ في الرسالةِ التي سأتركها للعالم, لا أفكرُ في الكلام تحديداً بقدر ما أفكر في طريقةٍ فنية لايصال الرسالة! لا تبدو الكتابة على المرآة سوى مشهد رعب سخيف من فلمٍ سيء الإخراج, ماذا لو كانت عناوين كتبي هي الرسالة الغامضة التي عليهم ترتيبها؟ لكنّ الأمر معقد ويحتاج لوقتٍ لا أملكه, أقرر ألاّ أكتب شيئاً.. هذه هي رسالتي للعالم .
أُأَثثُ المكانَ كما ينبغي؛ النافذةُ المفتوحة, ستارةُ الدانتيل البيضاء المتموجة بنسيم الصباح, الكرسيُّ الخشبيّ المتمركز وسط الغرفةِ تماماً, والحبل الذي يهبطُ من السقفِ كملاذٍ أخيرٍ للخلاص. سأربطهُ حول عنقي بسهولة غريبة, لن ترتعشَ أصابعي المطلية بالأحمر الفاقع, ولن يلاحظ أحدٌ الزُرقة المُفزعة على شفاهي؛ لأنني لم أنسَ وضعَ أحمر الشفاه الكرزيّ الذي أحب !

أتأكدُ من شعري المتموج، من سقوطِ أشعة الشمس على عنقي، من البرودة التي يتركها الفراغ بين جسدي وفستاني حين أتدلى من السقف.  أغير مكان الكرسيّ مرةً أخرى، أبحث عن خاتمي الفضي ذو العصافير المتباعدة ، أشعر أن أصابعي تبدو أسمن مما هي عليه، أتركه عند المرآة ، أرى منظر المرآة والخاتم معاً جميلاً كديكور جانبي لمشهد موتي
عندما أتأرجحُ موتاً، تهطل ساقاي ببساطةٍ من الأعلى، ممدودتان، تشفّ العروق الزرقاء على ظاهرهما. فمي مفتوحٌ قليلاً فقط، كأنَّ نفَسي الأخير طويلٌ وأبدي! أحتار في الوضعية المناسبة لذراعي، هل أتركهما في وضعيةٍ عفوية أم أحاول إضافة القليل من الدراما لأدعي أنني تراجعت عن انتحاري في لحظتي الأخيرة
. لا تكف الستائر عن حركتها رغم أننا في منتصف أغسطس، الجو يتعاطف مع موتي أيضاً.

بعد ساعة ستصعد أختي لتبديل ملابسها بعد أن تترك صحن افطارها نصف مأكول، ستشعر بألم مفاجئ في أمعائها عندما أسمع طقطقة عنقي الذي يختنق برهافة تحت الحبل المشدود، ستفتح أختي الباب، وتجدني أحلّق.
 ستحاول الصراخ ، لكن صوتها لن يذهب أبعد من شفاهها، تنزل الدرج تتعثر .. تبكي ، تبحث عن أمي التي تحمل صحون الافطار لحوض الغسيل، لا تنكسر الصحون لأن أمي لا تفهم الاشارات المريبة التي تفتعلها أختي، أنا في الأعلى ما زلتُ أمثلُ دورَ الخروج من الجاذبية، مبتسمةً لبهاء موتي، ثم يتعكر المشهد، يأتي الكثير من الناس، يسحبني أحدهم فيقتلع جزءاً من جلد رقبتي المتورم، أسقطُ بطريقةٍ ما أو يتم إنزالي بفوضوية، أنزعج للأيادي الكثيرة التي تتحسس نبضي، أضيق ذرعاً بالدموع التي تسقطُ على وجهي فيتعكّر خطّ الكحل الذي قضيتُ وقتاً طويلاً في رسمه، شعري يتحول لكارثةٍ جمالية، أبدو وحشيةً في أياديهم، مُهملة وميتة جداً!
 أخافُ من وجهي من الأحمر الكرزي الذي خرج من استدارة شفاهي ليصبغ ذقني ووجنتي، المشهد في نهايته يبدو مريعاً، ومربكاً! لحظتها أنهض من مشهد موتي، أضع الحبل في درجي وأقرر ألا أنتحر
!

هناك تعليق واحد: